فصل: الشاهد السابع والسبعون بعد الخمسمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.مقتل المعظم تورانشاه وولاية شجرة الدر وفداء الفرنسيس بدمياط.

ولما بويع المعظم تورانشاه وكانت له بطانة من المماليك جاء بهم من كيفا فتسلطوا على موالي أبيه وتقسموهم بين النكبة والإهمال وكان للصالح جماعة من الموالي وهم البحرية الذين كان ينزلهم بالدار التي بناها إزاء المقياس وكانوا بطانته وخالصته وكان كبيرهم بيبرس وهو الذي كان الصالح بعثه بالعساكر لقتال الخوارزمية عندما زحفوا مع عمه الصالح إسمعيل صاحب دمشق وقد مر ذكر ذلك فصارت طاغيته معهم استمالهم الصالح فصاروا معه وزحفوا مع عساكره إلى عساكر دمشق والإفرنج فهزموهم وحاصروا دمشق وملكوها بدعوة الصالح كما مر واستوحش بيبرس حتى بعث إليه الصالح بالأمان سنة أربع وأربعين ولحقه بمصر فحبسه على ما كان منه ثم أطلقه وكان من خواص الصالح أيضا قلاون الصالحي كان من موالي علاء الدين قراسنقر مملوك العادل وتوفي سنة خمس وأربعين وورثه الصالح بحكم الولاء ومنهم أقطاي الجامدار وأيبك التركماني وغيرهم فأنفوا من استعلاء بطانة المعظم تورانشاه عليهم وتحكمهم فيهم فاعصوا صبوا واعتزموا على الفتك بالمعظم ورحل من المنصورة بعد هزيمة الإفرنج راجعا إلى مصر فلما قربت له الحراقة عند البرج ليركب البحر كبسوه بمجلسه وتناوله بيبرس بالسيف فهرب إلى البرج فاضرموه نارا فهرب إلى البحر فرموه بالسهام فألقى نفسه في الماء وهلك بين السيف والماء لشهرين من وصوله وملكه ثم اجتمع هؤلاء الأمراء المتولون قتل تورنشاه ونصبوا للملك أم خليل شجرة الدر زوجة الصالح وأم ولده خليل المتوفي في حياته وبه كانت تلقب وخطب لها المنابر وضربت السكة باسمها ووضعت علامتها على المراسم وكان نص علامتها أم خليل وقدم أتابك على العساكر عز الدين الجاشنكير أيبك التركماني فلما استقرت الدولة طلبهم الفرنسيس في الفداء على تسليم دمياط للمسلمين فاستولوا عليها سنة ثمان وأربعين وركب الفرنسيس البحر إلى عكا وعظم الفتح وأنشد الشعراء في ذلك وتساجلوا ولجمال الدين بن مطروح نائب دمشق أبيات في الواقعة يتداولها الناس لهذا العصر والله تعالى ولي التوفيق وهي.
قل للفرنسيس إذا جئته ** مقال صدق عن قول فصيح

آجرك الله على ما جرى ** من قتل عباد يسوع المسيح

أتيت مصرا تبتغي ملكها ** تحسب أن الزمر بالطبل ريح

فساقك الحين إلى أدهم ** ضاق بهم في ناظريك الفسيح

وكل أصحابك أودعتهم ** بسوء تدبيرك بطن الضريح

خمسون ألفا لا يرى منهم ** إلا قتيل أو أسير جريح

وفقك الله لأمثالها ** لعلنا من شركم نستريح

إن كان باباكم بذار راضيا ** فرب غش قد أتى من نصيح

أوصيكم خيرا به أنه ** لطف من الله إليكم أتيح

لو كان ذارشد على زعمكم ** ما كان يستحسن هذا القبيح

فقل لهم إن أضمروا عودة ** لأخذ ثار أو لقصد قبيح

دار ابن لقمان على حالها ** والقيد باق والطواشي صبيح

والطواشي في لغة أهل المشرق هو الخصي ويسمونه الخادم أيضا والله أعلم.

.استيلاء الناصر صاحب حلب على دمشق وبيعة الترك بمصر لموسى الأشرف بن أطسز بن المسعود صاحب اليمن وتراجعهما ثم صلحهما.

ولما قتل المعظم تورانشاه ونصب الأمراء بعده شجرة الدر زوجة الصالح متعض لذلك أمراء بني أيوب بالشام وكان بدر الصوابي بالكرك والشويك ولاه الصالح عليهما وحبس عنده فتح الدين عمر بن أخيه العادل فأطلقه من محبسه وبايع له وقام بتدبير دولته جمال الدين بن يغمور بدمشق واجتمع مع الأمراء القصرية بها على استدعاء الناصر صاحب حلب وتمليكه فسار وملك دمشق واعتقل جماعة من موالي الصالح وبلغ الخبر إلى مصر فخلعوا شجرة الدر ونصبوا موسى الأشرف بن مسعود أخي الصالح بن الكامل وهو الذي ملك أخوه أطسز واسمه يوسف باليمن بعد أبيهما مسعود وبايعوا له واجلسوه على التخت وجعلوا أيبك أتابكة ثم انتقض الترك بغزة ونادوا بطاعة المغيث صاحب الكرك فنادى الترك بمصر بطاعة المستعصم وجددوا البيعة للأشرف وأتابكة ثم سار الناصر يوسف بعسكره من دمشق إلى مصر فجهز الأمراء العساكر إلى الشام مع أقطاي الجامدار كبير البحرية ويلقب فارس الدين فأجفلت عساكر الشام بين يديه ثم قبض الناصر يوسف صاحب دمشق على الناصر داود لشيء بلغه عنه وحبسه بحمص عن ملوك بني أيوب فجاءه موسى الأشرف صاحب حمص والرحبة وتدمر والصالح إسمعيل بن العادل من بعلبك والمعظم تورانشاه وأخوه نصر الدين أبنا صلاح الدين والأمجد حسام الدين والظاهر شادي إبنا الناصر وداود صاحب الكرك وتقي الدين عباس بن العادل واجتمعوا بدمشق وبعث في مقدمته مولاه لؤلؤ الأرمني وخرج أيبك التركماني في العساكر من مصر للقائهم وأفرج عن ولدي الصالح إسمعيل المعتقلين منذ أخذهم الهذباني من بعلبك ليتهم الناس أباهم ويستريبوا به والتقى الجمعان في العباسية فانكشفت عساكر مصر وسارت عساكر الشام في أتباعهم وثبت أيبك وهرب إليه جماعة من عساكر الناصر ثم صدق أيبك الحملة على الناصر فتفرقت عساكره وسار منهزما وجيء لأيبك بلؤلؤ الأرمني أسيرا فقتله وأسر إسمعيل الصالح وموسى الأشرف وتورانشاه المعظم وأخوه ولحق المنهزمون من عسكر مصر بالبلد وشعر المتبعون لهم من عساكر الشام بهزيمة الناصر وراءهم فرجعوا ودخل أيبك إلى القاهرة وحبس بني أيوب بالقلعة ثم قتل يغمور وزير الصالح إسمعيل المعتقل ببعلبك مع بنيه وقتل الصالح إسمعيل في محبسه ثم جهز الناصر العساكر من دمشق إلى غزة فتواقعوا مع فارس الدين أقطاي مقدم عساكر مصر فهزموهم واستولوا عليها وترددت الرسل بين الناصر وبين الأمراء بمصر واصطلحوا سنة خمسين وجعلوا التخم بينهم نهر الأردن ثم أطلق أيبك حسام الدين الهذباني فسار إلى دمشق وسار في خدمة الناصر وجاءت إلى الناصر شفاعة المستعصم في الناصر داود صاحب الكرك الذي حبسه بحمص فأفرج عنه ولحق ببغداد ومعه إبناه الأمجد والظاهر فمنعه الخليفة من دخولها فطلب وديعته فلم يسعف بها وأقام في أحياء عرية ثم رحع إلى دمشق بشفاعة من المستعصم للناصر وسكن عنده والله تعالى ينصر من يشاء من عباده.